فصل: فصلٌ: (الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية (نسخة منقحة)



.فصلٌ: (الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا):

قَالَ: (وَعَلَى الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إذَا كَانَتْ بَالِغَةً مُسْلِمَةً الْحِدَادُ) أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، وَأَمَّا الْمَبْتُوتَةُ فَمَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا حِدَادَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ وَجَبَ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفَى بِعَهْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ، وَقَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأَسُّفَ بِفَوْتِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِصَوْنِهَا وَكِفَايَةِ مُؤَنِهَا، وَالْإِبَانَةُ أَقْطَعُ لَهَا مِنْ الْمَوْتِ، حَتَّى كَانَ لَهَا أَنْ تُغَسِّلَهُ مَيِّتًا قَبْلَ الْإِبَانَةِ لَا بَعْدَهَا.
الشرح:
فصلٌ:
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا».
قُلْت: رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ، وَمِنْ حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
فَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، إلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا، إلَّا إذَا طَهُرَتْ نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ، وَمُسْلِمٍ: «وَقَدْ رُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا إذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ».
وَحَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ: أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ زَيْنَبَ: عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ: «أَنَّهَا لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ فَدَعَتْ بِطِيبٍ، فَدَهَنَتْ جَارِيَةً، ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».
وَحَدِيثُ حَفْصَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا»، انْتَهَى.
حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى زَوْجِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَعَلَى مَنْ سِوَاهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَتِهِ، وَقَالَ: الصَّحِيحُ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ.
وَحَدِيثُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَتْ: «دَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ، فَمَسَّتْ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ»، إلَى آخِرِ لَفْظِ أُمِّ حَبِيبَةَ سَوَاءٌ.
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ: أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجِهَا»، انْتَهَى.
وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَكِنَّ الصَّرِيحَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ»، مُخْتَصَرٌ.
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «فَلَا، حَتَّى يَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ»، وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ: «وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا، وَلَا تَكْتَحِلُ، وَلَا تَمَسُّ طِيبًا»، وَهَذَا ظَاهِرُهُ فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِيهِ، وَرُخِّصَ لِلْمَرْأَةِ فِي طُهْرِهَا نُبْذَةً مِنْ قُسْطٍ، أَوْ أَظْفَارٍ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ».
قُلْت: تَقَدَّمَ فِي جِنَايَاتِ الْحَجِّ، حَدِيثُ: «الْحِنَّاءُ طِيبٌ»، وَحَدِيثُ: «نَهْيِ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ الْحِنَّاءِ»، أَخَرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أَسِيد عَنْ أُمِّهَا عَنْ مَوْلَاةٍ لَهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي عِدَّتِي مِنْ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ: لَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ، وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ.
قُلْت: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ، تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ»
، انْتَهَى.
وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد، وَقَالَ: لَيْسَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إسْنَادٌ يُعْرَفُ. انْتَهَى.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَ الْمُصَنِّفِ حَدِيثَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ.
كَمَا ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ، وَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ، وَلَفْظُهُ: «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ، وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ»، انْتَهَى.
وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ، وَالْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ، كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ، كَمَا أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ حَدِيثًا وَاحِدًا، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد هَذَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ مُطَابِقٌ، إلَّا أَنِّي مَا وَجَدْته.
(وَالْحِدَادُ)، وَيُقَالُ الْإِحْدَادُ وَهُمَا لُغَتَانِ (أَنْ تَتْرُكَ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ وَالْكُحْلَ وَالدُّهْنَ وَالْمُطَيَّبَ وَغَيْرَ الْمُطَيَّبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَّا مِنْ وَجَعٍ).
وَالْمَعْنَى فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ، وَالثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ دَوَاعِي الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ فَتَجْتَنِبُهَا كَيْ لَا تَصِيرَ ذَرِيعَةً إلَى الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ صَحَّ: «أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ، وَالدُّهْنُ» لَا يُعَرَّى عَنْ نَوْعِ طِيبٍ وَفِيهِ زِينَةُ الشَّعَرِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ عَنْهُ، قَالَ: إلَّا مِنْ عُذْرٍ، لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَالْمُرَادُ الدَّوَاءُ لَا الزِّينَةُ، وَلَوْ اعْتَادَتْ الدُّهْنَ فَخَافَتْ وَجَعًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا ظَاهِرًا يُبَاحُ لَهَا، لِأَنَّ الْغَالِبَ كَالْوَاقِعِ، وَكَذَا لُبْسُ الْحَرِيرِ إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ (وَلَا تَخْتَضِبُ بِالْحِنَّاءِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِعُصْفُرٍ وَلَا بِزَعْفَرَانٍ)، لِأَنَّهُ يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الطِّيبِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: رُوِيَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الِاكْتِحَالِ وَالدُّهْنِ».
قُلْت: أَمَّا الِاكْتِحَالُ، فَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا: «أَنَّ امْرَأَةً تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، فَخَافُوا عَلَى عَيْنَيْهَا، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنُوهُ فِي الْكُحْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ»، انْتَهَى.
وَفِي لَفْظٍ لَهُمْ: قَالَتْ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا، مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ»، انْتَهَى.
وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِالْمُعْتَدَّةِ غَيْرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَكِنَّهُ قَصَدَ التَّعْمِيمَ، وَأَمَّا الدُّهْنُ فَغَرِيبٌ، انْتَهَى.
قَالَ: (وَلَا حِدَادَ عَلَى كَافِرَةٍ)، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِحُقُوقِ الشَّرْعِ (وَلَا عَلَى صَغِيرَةٍ)، لِأَنَّ الْخِطَابَ مَوْضُوعٌ عَنْهَا (، وَعَلَى الْأَمَةِ الْإِحْدَادُ)، لِأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَوْلَى، بِخِلَافِ الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ، لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّهِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ مُقَدَّمٌ لِحَاجَتِهِ.
قَالَ: (وَلَيْسَ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ إحْدَادٌ)، لِأَنَّهَا مَا فَاتَهَا نِعْمَةُ النِّكَاحِ لِتُظْهِرَ التَّأَسُّفَ، وَالْإِبَاحَةُ أَصْلٌ.
(وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُخْطَبَ الْمُعْتَدَّةُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّعْرِيضِ فِي الْخِطْبَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} إلَى أَنْ قَالَ: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «السِّرُّ النِّكَاحُ».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ.
الشرح:
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «السِّرُّ النِّكَاحُ».
قُلْت: غَرِيبٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} لَا يَأْخُذْ عَلَيْهَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، وَنَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} قَالَ: يَقُولُ: إنَّك مِنْ حَاجَتِي، انْتَهَى.
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: السِّرُّ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا أَنْ تَحْبِسَ نَفْسَهَا، وَلَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ.
حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: التَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ نَجْتَمِعَ.
قُلْت: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ وَلَفْظُهُ: وَقَالَ لِي طَلْقٌ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ} يَقُولُ: إنِّي أُرِيدُ التَّزْوِيجَ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّهُ تَيَسَّرَ لِي امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَقَالَ الْقَاسِمُ: يَقُولُ: إنَّكِ عَلَيَّ كَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْكِ خَيْرًا، أَوْ نَحْوَ هَذَا، انْتَهَى.
وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ، قَالَ: يَقُولُ: إنِّي لَأُرِيدُ التَّزْوِيجَ، انْتَهَى.
وَخَبَرُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ {إلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} قَالَ: يَقُولُ: إنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ نَجْتَمِعَ، انْتَهَى.
(وَلَا يَجُوز لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَالْمَبْتُوتَةِ الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: تَخْرُجُ نَهَارًا وَبَعْضَ اللَّيْلِ)، (وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا) أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قِيلَ الْفَاحِشَةُ: نَفْسُ الْخُرُوجِ وَقِيلَ: الزِّنَا وَيُخْرَجْنَ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ.
وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَتَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ نَهَارًا لِطَلَبِ الْمَعَاشِ، وَقَدْ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يَهْجُمَ اللَّيْلُ، وَلَا كَذَلِكَ الْمُطَلَّقَةُ، لِأَنَّ النَّفَقَةَ دَارَّةٌ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا، حَتَّى لَوْ افْتَعَلَتْ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا قِيلَ: إنَّهَا تَخْرُجُ نَهَارًا، وَقِيلَ لَا تَخْرُجُ، لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ حَقَّهَا فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حَتَّى عَلَيْهَا.
(وَعَلَى الْمُعْتَدَّةِ أَنْ تَعْتَدَّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي يُضَافُ إلَيْهَا بِالسُّكْنَى حَالَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ وَالْمَوْتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} وَالْبَيْتُ الْمُضَافُ إلَيْهَا هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي تَسْكُنُهُ، وَلِهَذَا لَوْ زَارَتْ أَهْلَهَا وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا كَانَ عَلَيْهَا أَنْ تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهَا فَتَعْتَدَّ فِيهِ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّتِي قُتِلَ زَوْجُهَا: «اُسْكُنِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» (وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهَا مِنْ دَارِ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهَا، فَأَخْرَجَهَا الْوَرَثَةُ مِنْ نَصِيبِهِمْ انْتَقَلَتْ)، لِأَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ بِعُذْرٍ، وَالْعِبَادَاتُ تُؤَثِّرُ فِيهَا الْأَعْذَارُ، فَصَارَ كَمَا إذَا خَافَتْ عَلَى مَتَاعِهَا أَوْ خَافَتْ سُقُوطَ الْمَنْزِلِ، أَوْ كَانَتْ فِيهَا بِأَجْرٍ وَلَا تَجِدُ مَا تُؤَدِّيهِ.
الشرح:
الْحَدِيثُ السَّادِسُ: «قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلَّذِي قُتِلَ زَوْجُهَا: اُسْكُنِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ».
قُلْت: أَخْرَجَهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ عَنْ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ، وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ، وَأَنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى إذَا كَانَ بِطَرَفِ الْقَدُومِ لَحِقَهُمْ، فَقَتَلُوهُ، قَالَتْ: فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي، فَإِنَّ زَوْجِي لَمْ يَتْرُكْ لِي مَسْكَنًا يَمْلِكُهُ، وَلَا نَفَقَةً، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَانْصَرَفْتُ حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَمَرَنِي فَنُودِيتُ لَهُ، فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتِ؟ قَالَتْ: فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، الَّتِي ذَكَرْت لَهُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، قَالَتْ: فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْته فَاتَّبَعَهُ»، انْتَهَى.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسَانِيدِهِمْ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ بِهِ، وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي وَالثَّمَانِينَ، مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ حَدَّثَتْنِي زَيْنَبُ بِهِ، قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ، وَهُمَا اثْنَانِ: سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ أَشْهَرُهُمَا، وَإِسْحَاقُ بْنُ سَعْدِ بْنِ كَعْبٍ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، فَقَدْ ارْتَفَعَتْ عَنْهُمَا الْجَهَالَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّقَصِّي: رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَغَيْرُهُ مِنْ الرُّوَاةِ، يَقُولُ: سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: زَيْنَبُ بِنْتُ كَعْبٍ مَجْهُولَةٌ، لَمْ يَرْوِ حَدِيثَهَا غَيْرُ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، قَالَ: وَلَيْسَ عِنْدِي كَمَا قَالَ، بَلْ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ، فَإِنَّ سَعْدَ بْنَ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، وَزَيْنَبُ كَذَلِكَ ثِقَةٌ، وَفِي تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ إيَّاهُ تَوْثِيقُهَا وَتَوْثِيقُ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ، وَلَا يَضُرُّ الثِّقَةَ أَنْ لَا يَرْوِيَ عَنْهُ إلَّا وَاحِدٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ، انْتَهَى.
حَدِيثٌ يُشْكِلُ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ»، انْتَهَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: وَمَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَعَطَاءٌ مُخْتَلِطٌ، وَأَبُو مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ، فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ، وَذَكَرَ الْجَمِيعُ أَصْوَبَ الِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ، انْتَهَى كَلَامُهُ.
(ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا بُدَّ مِنْ سُتْرَةٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِهِ)، لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالْحُرْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا يُخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ، فَحِينَئِذٍ تَخْرُجُ، لِأَنَّهُ عُذْرٌ، وَلَا تَخْرُجُ عَمَّا انْتَقَلَتْ عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَيَتْرُكَهَا.
(وَإِنْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً ثِقَةً تَقْدِرُ عَلَى الْحَيْلُولَةِ فَحَسَنٌ، وَإِنْ ضَاقَ عَلَيْهِمَا الْمَنْزِلُ فَلْتَخْرُجْ، وَالْأَوْلَى خُرُوجُهُ).
(وَإِذَا خَرَجَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا إلَى مَكَّةَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا فِي غَيْرِ مِصْرٍ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مِصْرِهَا أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ رَجَعَتْ إلَى مِصْرِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِابْتِدَاءِ الْخُرُوجِ مَعْنًى بَلْ هُوَ بِنَاءٌ (وَإِنْ كَانَتْ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ شَاءَتْ رَجَعَتْ، وَإِنْ شَاءَتْ مَضَتْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَمْ يَكُنْ) مَعْنَاهُ إذَا كَانَ إلَى الْمَقْصِدِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَيْضًا، لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخْوَفُ عَلَيْهَا مِنْ الْخُرُوجِ، إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ أَوْلَى لِيَكُونَ الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ.
قَالَ: (إلَّا أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فِي مِصْرٍ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ حَتَّى تَعْتَدَّ، ثُمَّ تَخْرُجَ إنْ كَانَ لَهَا مَحْرَمٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إنْ كَانَ مَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَنْ تَعْتَدَّ) لَهُمَا أَنَّ نَفْسَ الْخُرُوجِ مُبَاحٌ دَفْعًا لِأَذَى الْغُرْبَةِ وَوَحْشَةِ الْوَحْدَةِ، وَهَذَا عُذْرٌ، وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِلسَّفَرِ وَقَدْ ارْتَفَعَتْ بِالْمَحْرَمِ.
وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ أَمْنَعُ مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ عَدَمِ الْمَحْرَمِ، فَإِنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ إلَى مَا دُونَ السَّفَرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَلَيْسَ لِلْمُعْتَدَّةِ ذَلِكَ فَلَمَّا حَرُمَ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ إلَى السَّفَرِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَفِي الْعِدَّةِ أَوْلَى.